أوضح أسامة الروحاني، الزميل غير المقيم في مبادرة سكوكروفت للأمن الشرق أوسطي في أتلانتيك كاونسل، أن التوصل إلى وقف إطلاق النار بوساطة أميركية بين إسرائيل وحماس يمثل بارقة أمل للفلسطينيين، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حول مستقبل الصراعات الإقليمية، وبالأخص بشأن جماعة الحوثي في اليمن. فالسؤال الرئيسي هو كيف ستتعامل الجماعة المدعومة من إيران مع هذا التحول؟ حتى الآن، يبدو أنها أوقفت هجماتها على إسرائيل بعد الهدنة، لكنها تعتبر ذلك “نصرًا رمزيًا” وتؤكد استمرار التزامها بأهداف حماس، مستعرضة ذلك كدليل على ولائها للمحور الإيراني المسمى بـ“محور المقاومة”.
ذكرت أتلانتيك كاونسل أن الحوثيين استخدموا تورطهم في الصراعات الإقليمية لتعزيز نفوذهم وتوسيع حضورهم خارج اليمن. فمنذ السابع من أكتوبر، سمحت لهم هجماتهم على إسرائيل وتهديداتهم للملاحة في البحر الأحمر بكسب تأييد في العالمين العربي والإسلامي، وبناء علاقات مع فاعلين مسلحين في القرن الأفريقي، واستقطاب دعم سياسي من قوى معادية للغرب. لكن هذا التمدد الخارجي جاء على حساب الداخل اليمني، حيث يعيش السكان أزمات اقتصادية وإنسانية متفاقمة.
رغم إعلان الحوثيين استعدادهم لوقف التصعيد، إلا أن من المستبعد أن يتخلوا عن مكاسبهم السياسية والعسكرية. ويُرجح أن يبحثوا عن سبل جديدة للحفاظ على نفوذهم. فوقف الهجمات مؤقت، وسرعان ما قد يجدون مبررًا لاستئنافها، خاصة إذا احتاجوا إلى وسيلة لإثبات وجودهم بعد تراجع زخم الحرب في غزة.
يملك الحوثيون ثلاثة مسارات محتملة بعد الهدنة. الأول هو العودة إلى الحرب الداخلية في اليمن، إذ تسمح لهم المواجهات المحلية بزيادة السيطرة وابتزاز الحكومة والسعودية للعودة إلى طاولة المفاوضات. لكن هذا الخيار يحمل مخاطر اقتصادية كبرى، بعدما أدى تصنيفهم منظمة إرهابية أجنبية إلى قطع التمويل وطرد المنظمات الإغاثية والشركات من مناطقهم، مما فاقم الانهيار الاقتصادي.
الخيار الثاني يتمثل في ابتزاز دول الخليج اقتصاديًا. فقبل اندلاع حرب غزة، كانت السعودية على وشك توقيع اتفاق سلام مع الحوثيين يشمل تمويل رواتب موظفي الدولة في مناطقهم. غير أن الحوثيين جمدوا المفاوضات أثناء الحرب، ويبدو أنهم يسعون الآن لاستعادة ذلك المكسب عبر التهديد بضرب منشآت النفط والمطارات، كما فعلوا سابقًا لإجبار الرياض على الحوار. إلا أن عودتهم إلى هذا الأسلوب أصبحت أقل فاعلية بعد تصنيفهم إرهابيين، ما يجعل أي تسوية جديدة شبه مستحيلة.
أما المسار الثالث فهو التصعيد الإقليمي، إذ اعتاد الحوثيون استغلال التوترات لزيادة نفوذهم. ومع سقوط نظام الأسد في ديسمبر، وتلقي حزب الله ضربات موجعة في لبنان، برز الحوثيون كأقوى مكوّن في محور المقاومة وأقرب حلفاء طهران. وتستخدم إيران هذا المحور لإرباك خصومها من دون خوض حرب مباشرة، ما يجعل الحوثيين أداة مثالية لتخفيف الضغط الدولي المتزايد عليها.
قد يدفع تصاعد العقوبات الأميركية والأوروبية، واحتمال توسع الضربات الإسرائيلية، طهران إلى توجيه الحوثيين نحو استئناف الهجمات في البحر الأحمر أو ضد إسرائيل. وبذلك تبقى الجماعة وسيلة ضغط تخدم مصالح إيران الإقليمية. في المقابل، تعتبر إسرائيل الحوثيين تهديدًا منفصلًا عن ملف غزة وتتعهد “بجعلهم يدفعون ثمنًا” على هجماتهم خلال العامين الماضيين. ويرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيهم هدفًا ملائمًا لتوسيع العمليات العسكرية التي تتيح له توطيد سلطته. في هذه النقطة، يشترك الحوثيون ونتنياهو في المنهج ذاته: استخدام الحرب ذريعة للبقاء في السلطة وتوسيع النفوذ.
يعني ذلك أن المنطقة قد تشهد جولة جديدة من التصعيد، حتى وإن لم تصل إلى حرب شاملة. إذ يمكن لإيران والحوثيين تبرير أي هجوم بأنه “رد على عدوان” أو “محاولة لرفع الحصار”، بينما يبقيان مستوى الصراع محدودًا في البحر الأحمر الذي يتيح للحوثيين سهولة الوصول وتحقيق مكاسب دعائية دون خسائر ميدانية كبيرة.
في الخلاصة، لا يشير وقف إطلاق النار في غزة إلى تهدئة دائمة بقدر ما يمثّل فترة انتقالية لإعادة التموضع. فهدوء الحوثيين الحالي لا يعكس تخليهم عن الحرب، بل اضطرارهم المؤقت إلى التوقف في انتظار ما ستؤول إليه الضغوط على إيران والتحركات الإسرائيلية.
وتشير المؤشرات الراهنة إلى أن البحر الأحمر سيظل بؤرة التوتر المقبلة، بينما تستخدم طهران والحوثيون التصعيد المحدود أداة لإبقاء الصراع مشتعلًا دون أن يتحول إلى مواجهة مفتوحة.